لقاء قداسة البطريرك كيريل والوفد الرهبانيّ من الكنيسة القبطيّة
دائرة الاتّصالات في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو 27/08/2024
في 27 آب 2024، في قاعة الاستقبال بكاتدرائيّة المسيح المخلّص في موسكو، التقى قداسة بطريرك موسكو كيريل وكلّ الروسيا والوفد الرهبانيّ من الكنيسة القبطيّة.
وكان من بين المشاركين في الاجتماع من طرف الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة مسؤول على قسم الأديرة والرهبنة في الكنيسة الروسيّة المتروبوليت كاشيرا ثيوغنوستس، ووكيل قداسة بطريرك موسكو وسائر روسيا المتروبوليت أرسيني مطران زفينيغورود، ومدير سكرتارية العلاقات بين المسيحيّين، الراهب الكاهن ستيفان (إيغومنوف).
وضمّ وفد الكنيسة القبطيّة: صاحب السيادة المتروبوليت بولس راعي أبرشية طنطا، والأنبا كلوديوس راعي دير باخوميوس الكبير، والراهب يعقوب أنبا بيشوي من دير باييسيوس الكبير في وادي النطرون، والراهب الكاهن باخوميوس أنبا بيشوي من دير باييسيوس الكبير، وعدد من الكهنة من أبرشيّة القاهرة كالكاهن فيلوباتر نبيه والكاهن كيرلّس مكة؛ المستشار البطريركيّ الدكتور أنطون ميلاد، وموظّفي البطريركيّة القبطيّة الدكتور شنودة بيشوي، الأستاذ هاني سليمان، السيّدة هدى صبحي والأستاذة أمل إبراهيم.
ورحّب قداسة البطريرك بالضيوف وقال في كلمته: "نفرح، دائمًا، بالاجتماعات مع ممثّلي الكنيسة القبطيّة، لأنّنا ندرك ونشعر بقربنا الروحيّ. على الرغم من أنّكم تعيشون في مصر الحارّة، حيث جزء كبير من أراضيها عبارة عن صحراء، ونحن موجودون بالقرب من المحيط المتجمّد الشماليّ البارد، أي في أراضٍ تكثر فيها الثلوج غالبًا ويكون الطقس مختلفًا تمامًا، ورغم هذا الاختلاف، إلّا أنّنا بالفعل لدينا الكثير من الأمور المشتركة، بما في ذلك في تجربة الحياة الروحيّة. فإنّ النسك والجهاد الروحيّين هما الطريق الأمثل للحياة الرهبانيّة لكنيستينا".
ووفقاً لكلام قداسته، فإنّ العلاقات التي تطوّرت بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة والكنيسة القبطيّة، وأجواءها الخاصّة، ليست نتيجةً دبلوماسيّة الكنيسة، ولكنهّا مرتبطة بالخبرة الروحيّة والتقليد النسكيّ: "عندما توحّد نسّاك كنيستكم في الصحراء، واجهوا ظروفًا حياتيّة صعبة جدًّا، لكنّهم تغلّبوا عليها، مدركين أنّهم يقومون بعمل يريده الله. عندما رتّب قدّيسو الكنيسة الروسيّة لأنفسهم حياة منعزلة في غابة كثيفة وخطيرة، حيث من السهل أن يضيعوا، فقد أنجزوا نفس العمل الفذّ الذي قام به الآباء من الكنيسة القبطيّة، والذين ذهبوا إلى الصحراء الحارّة. ولذلك، يبدو لي أنّ القياس النسكيّ للحياة الكنسيّة في كلّ من مصر وروسيا يحدّد إلى حدّ كبير الأساس المتين الذي تتطوّر عليه العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة والكنيسة القبطيّة اليوم".
وذكّر قداسته، بشكل خاصّ، بجهاد القدّيس سيرافيم ساروف النسكيّ، المحبوب من قبل الشعب الروسيّ: فكانت الصحراء هي الغابة له التي استقرّ فيها وصلّى القدّيس سيرافيم ألف يوم وليلة، واقفًا على حجر.
وقال قداسته أيضاً: "أعتقد أنّه صدفة أنّ يكون لكنيستينا منهج مشترك لفهم دور وأهمّيّة الجهاد الروحيّ المرتبط بصرامة الحياة الرهبانيّة، مشيرًا إلى إنّ حضارة الغرب مبنيّة على أساس أنّ للإنسان حاجة إلى زيادة مستوى راحته باستمرار، كما أنّ الظروف المعيشيّة المريحة لها أهمّيّة كبيرة بالنسبة للإنسان الغربيّ". إنّ مثل هذه المزاجات والتطلعات إلى الراحة نلاحظها في المجتمع العلمانيّ في كلّ من مصر وروسيا، ومع ذلك تحافظ كنيستانا على المثل الأعلىّ للحياة الروحيّة القائمة على الجهاد. وهذا، من بين الأمور الأخرى التي تشكّل أساسًا ثابتًا لتطوير علاقاتنا الثنائيّة".
هذا وقد أضاف قداسة بطريرك موسكو وسائر الروسيا كيريل، إنّ هذه العلاقات تطوّرت بنجاح في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى الفائدة من إنشاء لجنة الحوار بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة والكنيسة القبطيّة التي تعمل حاليًّا. وفي إطار أنشطتها تجري مشاورات لاهوتيّة، ويتمّ إجراء الاتّصالات بين المؤسّسات التعليميّة، ويجري تنفيذ العديد من المشاريع الأخرى. وتحاول بطريركيّة موسكو دعم الجاليات القبطيّة في روسيا، وهكذا، الكنيسة القبطيّة تتعامل بلطف مع الكنيسة الروسيّة الموجودة في مصر. وتتعاون الكنيستان، أيضًا، في الأنشطة المسيحيّة والدوليّة.
وشدّد قداسة البطريرك في كلمته، بشكل خاصّ، على أهمّيّة الاتّصالات التي قد تطوّرت بين رهبان الكنيستين، فقال بهذا الصدد: "إنّ وفود إكليروسنا، بما في ذلك الرهبان، الذين يزورون كنيستكم، يتحدّثون، دائمًا، بفرح كبير مبتهجين عن الحياة الروحيّة للمسيحيّي مصر. وهذا يدلّ، مرّة أخرى، على أنّ دين شعبينا لديه الكثير من الميزات المشتركة. يبدو لي أنّه في الظروف الحديثة، عندما تواجه المسيحيّة تحديّات خطيرة، من المهم والمفيد جدًّا أن نشعر بدعم بعضنا البعض، وهذا يمكن أن يحدث من خلال لقاءاتنا وتبادل الأفكار واشتراكنا في حلّ القضايا المطروحة اليوم على جدول الأعمال".
وتطرّق قداسته، أيضًا، إلى الوضع المأساويّ الذي تعيشه الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة، حيث تعاني من الاضطهاد والاستيلاء على الكنائس ومحاكمة الأساقفة والكهنة والعلمانيّين، والضغوط السياسيّة لإجبارهم على الانضمام إلى المؤسّسة المنشقّة التي تدعمها السلطات الأوكرانيّة. ففي الآونة الأخيرة، اعتمد البرلمان الأوكرانيّ قانونًا يهدف إلى حظر الكنيسة الأرثوذكسيّة القانونيّة في أوكرانيا. وأشار قداسة بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل بامتنان إلى موقف قداسة بطريرك الكنيسة القبطيّة تواضروس الثاني الذي رفع صوته دفاعًا عن الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة، وطلب من الوفد أن يذكروا في صلواتهم الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة الشهيدة المعترفة التي تتعرّض، اليوم، لاضطهاد شديد بسبب إخلاصها للقوانين الكنسيّة ووحدة الكنيسة المقدّسة".
وقال بشكل خاصّ: "إنّني أقدّر كثيرًا موقف قداسة البطريرك تواضروس الثاني، بما في ذلك الطريقة التي يعمل بها اليوم على تطوير العلاقات بين الكنيسة القبطيّة والكنائس الأخرى، وأوّلاً مع الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة. أرجو أن تنقلوا له كلامًا يعبّر عن محبّتي واحترامي العميق".
وأعرب قداسته عن أمله في أن تؤدّي زيارة الوفد الرهبانيّ القبطيّ لروسيا إلى تطوير العلاقات بين الكنيستين بشكل أكثر.
ومن جانبهم، أعرب ممثّلو وفد الكنيسة القبطيّة عن شكرهم لقداسة البطريرك كيريل على هذا اللقاء. وقال المتروبوليت بولس راعي أبرشيّة طنطا: "جئنا إليكم ببركة شعبنا من كنيستنا. نحيّيكم من الأرض التي استضافت العائلة المقدّسة. لقد وصلنا بسلام آبائنا العظماء القدّيس أنطونيوس والقدّيس الأنبا بولس وآخرين. وطلب قداسة البطريرك تواضروس أن ننقل محبّته واحترامه الكبيرين لكم شخصيًّا ولكنيستكم المقدّسة".
ثمّ تحدّث إلى قداسة البطريرك كيريل عن حياة الكنيسة القبطيّة. وفي معرض حديثه ذكر اللحظات المأساويّة والهجوم الإرهابيّ الذي وقع في العام 2017 في عيد دخول الربّ إلى القدس في مدينة طنطا، والذي قُتل فيه ثلاثون مؤمنًا نتيجةً لانفجار في كنيسة قبطيّة، وأشار المتروبوليت بولس إلى أن يعيش الأقباط حاليًّا في مصر حياة جيّدة ويتمتّعون بحقوق معيّنة.
علاوة على ذلك، ولأوّل مرّة في تاريخ البلد القبطيّ، كان أحد ممثّلي الكنيسة من بين الأشخاص الذين شاركوا في صياغة الدستور المصريّ. ولأوّل مرّة أيضًا، تمّ إدراج كلمات عن الكنيسة القبطيّة في القانون الأساسيّ. وتدريجيًّا، يتمّ إجراء تحديثات تشريعيّة أخرى، بما في ذلك تلك المتعلّقة بحياة المسيحيّين الأقباط.
كما وقال الضيف عن زيارة الكنيسة الروسيّة: "لقد زرت العديد من البلدان، لكن هذه هي المرّة الأولى التي أزور فيها روسيا. أريد أن أقول من أعماق قلبي إنّني شعرت وكأنّني في السماء وليس على الأرض. إن ما حدث هنا خلال 35 عامًا بعد سبعة عقود من الاضطهاد الوحشيّ هو حقًا عجيبة من الله. قمنا بزيارة العديد من الكنائس والأديرة، وأجرينا حوارًا بالمحبّة مع ممثّلي الرهبنة الروسيّة، وتمكنّت، أيضًا، من التواصل شخصيًّا مع مؤمنيكم المتدينين بشدّة".
وفي حديثه عن وضع الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة، أكد رئيس الوفد: "إنّنا نرى قلبكم النازف، ونشعر ونشارك آلامكم ممّا يحدث في أوكرانيا. وسنصلّي باستمرار من أجل جميع الأساقفة والكهنة الذين يخدمون هناك، ومن أجل العلمانيّين".
وفي نهاية اللقاء، قام الوفد القبطيّ بزيارة كاتدرائيّة المسيح المخلّص وحضر الخدمة البطريركيّة بمناسبة عيد رقاد السيّدة العذراء مريم.