المتروبوليت هيلاريون: يدعونا الربّ أن نحبّ أقربائنا
















في الخامس من كانون الأوّل للعام 2021 احتفل سيادة المتروبوليت هيلاريون متروبوليت فولوكولامسك ورئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة السيّدة العذراء بمنطقة بولشايا أورضينكا (موسكو). شارك في الذبيحة الإلهيّة قدس الأرشمندريت سيرافيم (شيمياتوفسكي) ممثّل كنيسة التشيك وسلوفاكيا لدى الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، كهنة الرعيّة والمؤمنين، ورُفعت الطلبات على نيّة وقف انتشار وباء الكورونا. بالإضافة إلى هذا، أقيمت صلوات عن راحة نفس البطريرك السابق المثلَّث الرحمات أليكسي الثاني الذي تصادف الذكرى الثالثة العشرة منذ رقاده في هذا اليوم.
بعد انتهاء الخدمة الإلهيّة ألقى سيادته العظة الروحيّة التالية:
"باسم الآب والابن والروح القدس، آمين.
سمعنا، اليوم، النصّ الإنجيليّ للقدّيس البشير لوقا عن الرجل الغنيّ، الذي حصد محصولًا كبيرًا ولم يجد مكانًا لخزنه: "ففكّر في نفسه قائلاً ماذا أعمل لأنّ ليس لي موضع أجمع فيه أثماري. وقال أعمل هذا. أهدم مخازني وأبني أعظم وأجمع هناك جميع غلّاتي وخيراتي. وأقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله يا غبيّ هذه الليلة تطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون. (لو 12:17-20).
لا يقصد هذا المثل من الكتاب المقدّس الثروة المادّيّة فقط، بل أوّلاً وقبل كل الشي، يدعونا إلى التفكير بماذا ترتبط حياة الانسان وكيف يتعامل مع الآخرين. تعتمد رفاهيّة الإنسان على ظروف مختلفة: على مواهبه وقدراته وعلى أسلافه وماذا ورث عنهم، وكيف هي ظروفه في مجالات الحياة المختلفة. لكنّ الله لا يحكم بما يحصّل الإنسان، بل بما يقدمه، لأنّ الربّ يدعونا إلى محبّة القريب وخدمته وإعطائه من مواردنا المادّيّة ووقتنا ومشاعرنا، إن يعيش الإنسان من أجل الآخرين، فالربّ بنفسه، عندئذ، سيهتمّ به. ولكن، إذا فكّر الشخص في نفسه، فقط، وفي رغباته وطعامه وشرابه ومتعته وراحته، فسيعاني، على الأرجح، من موت مفاجئ أو حساب غير متوقَّع لخطاياه، وينهاركلّ ما جمّعه في حياته ويتحوّل إلى التراب.
في وقتنا المعاصر، يحتفظ الكثير من الناس بأموالهم في المصارف، فيفرح الإنسان لجمعه الأموال فيها ويحسب كلّ يوم كيفيّة ازديادها، ثمّ، فجأةً، يتمّ إفلاس أو انهيار المصرف، فيفقد كلّ الأموال التي جمعها، ويصيبه الإفلاس.
ينصح خبراء الاقتصاد بحفظ الأموال في مصارف مختلفة وبعملات متباينة، وهذا بالطبع يقلّل من خطر الإفلاس، ولكن إذا زار الربّ شخصًا مصابًا بمرض خطير أو فاجأه الموت، فبأيّ عملة، عندئذ، سيحتفظ بأمواله، وفي أي مصارف يستودعها، لن يساعده ذلك على كلّ حال.
من الممكن أن يكون أحدكم قد شاهد فيلم " تيتانيك" الذي عُرض قبل أكثر من عشرين عاماً. هناك مشهد مهمّ في الفيلم: عندما تغرق السفينة، يحاول رجل أن يجد لنفسه مكانًا في القارب، فيدفع بحفنة من الدولارات لشخص آخر يعتمد عليه ليؤمّن له مكانًا فيه، ولكنّه يرمي المال في البحر. لماذا؟ لأنّ المال لم يعد له قيمة في الموقف الذي يعرّضه للغرق حتّى القاع عندما ستغرق السفينة مع من عرض عليه الدولارات في نصف ساعة أو أربعين دقيقة.
من هنا نفهم أنّ كلّ ثروة مادّيّة على هذه الأرض لها قيمة نسبيّة، فقط، ولكن تزداد قيمتها عندما يشاركنا بها أشخاص آخرون. وإذا كان الشخص يعيش لنفسه، فقط، ويفكّر في كيفيّة الحفاظ على هذه الوسائل ويعمل على زيادتها من أجل مصلحته الشخصيّة، فسيتمّ حسابه عاجلاً أم آجلاً، وسيتأكّد، حينئذ، من أنّ ثروته المادّيّة لن تنقذه من تجربة المرض أو من الموت أو من الأحزان التي يمكن أن يسمح الله بها.
إذا استخدم الانسان ثروته لصالح الآخرين، فعندئذ، ووفقًا لمثل آخر للربّ يسوع المسيح، "سيصنع له أصدقاء بمال الظلم". بعبارة أخرى، كلّ ما يعطيه إيّاه الله، سيتقاسمه مع الآخرين، وبالتالي يكتسبهم أصدقاء له، فيلتقي بهم عندما ينتقل إلى الحياة الأبديّة، وسيشفعون فيه عند الله. هذا ما يذكّرنا به مثل اليوم.
في هذا اليوم، أيضاً، نقيم الذكرى السنويّة لوفاة المثلَّث الرحمات البطريرك أليكسي الثاني، لذلك رفعنا صلواتنا من أجل راحة نفسه ومشاركتها مجد الأبرار والقدّيسين.
أتيحت لي فرصة التعرّف إليه شخصيًّا، إذ عندما كنت راهباً شابّاً شاركت في جلسات المجمع المحلّيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة حيث تمّ اختياره بطريركاً. صوّتّ، يومها، له وليس لأحد آخر. ثمّ عندما كنت موظفاً في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة كانت لدي فرصة التحدّث إليه بشكل مباشر. نصحني البطريرك أليكسي أن أكون أسقفًا، وقد ساعدني في مواجهتي لبعض الظروف الصعبة التي واجهتني بعد وقت قليل من الرسامة الأسقفية. كان، دائمًا، كثير الاهتمام يعرف ما يحدث في كلّ من أبرشيات الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، بما في ذلك تلك التي في خارج حدودها. عندما أصبحت أسقفًا على أبرشيّة النمسا وهنغاريا، أتيحت لي الفرصة للتحدّث عما كان يحدث هناك لقداسته، وكان، دائمًا، يستمع لي باهتمام بالغ ويمدّني بنصائحه الصالحة السديدة.
نتذكّر، اليوم، قداسة البطريرك أليكسي كشخص يرتبط باسمه بإحياء الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة ونتائجها ما تزال بادية حتّى يومنا، فلقد وضعها في مسارّ التغييرات الصالحة المستمرّة اليوم: ففي كلّ سنة يتمّ بناء أو إعادة بناء مئات الكنائس بمعدل ألف كنيسة في السنة، أي ثلاثة في اليوم. وهذا ليس لأنّ هناك من قرّر مشروع توسيع الكنائس، بل لأنّ المؤمنون كانوا يطالبون بهذا، لأنّهم يرغبون في أن تكون الكنائس قريبة من منازلهم لا بعيدة عنها.
نتذكّر قداسة البطريرك ألكسي بمحبّة وامتنان باعتباره الشخص الذي بإشرافه تطوّرت الحياة الكنسية وبدأ إحياؤها.
ليرحم الربّ نفسه ويغفر له جميع الخطايا. سنحتفظ في قلوبنا بذكراه بروح المحبّة والامتنان. ليكن ذكره مؤبداً. كلّ عام وأنتم بخير".
دائرة الاتّصالات في قسم العلاقات الكنسيّة الخارجيّة