الصفحة الرئسيّة أخبار
الأسقف إيريناوس (الكنيسة الأرثوذكسيّة الصربيّة): "الموض…

الأسقف إيريناوس (الكنيسة الأرثوذكسيّة الصربيّة): "الموضوع الوحيد الذي يجب أن يثار للمناقشة في المجمع الأرثوذكسيّ (الكريتي) هو موضوع الاستقلال"

تحدّث سيادة المطران إيريناوس أسقف باتشسك من الكنيسة الأرثوذكسيّة الصربيّة خلال مؤتمر "الأرثوذكسيّة العالميّة: الأولويّة والمجمعيّة في إطار التعليم الأرثوذكسيّ" عن قلقه للعلاقات المتوتّرة بين الكنائس الأرثوذكسيّة بما في ذلك مسألة الاستقلال، وممّا جاء في كلمته:

 

يا قداسة البطريرك كيريل، أصحاب السيادة، قدس الآباء الأجلّاء، قدس الإخوة الرهبان، حضرة الإخوة والأخوات في المسيح!

أعتقد أنّ موضوع وحدة الكنيسة والمجمعيّة من الضروريّ أن يُدرَج في دراسة منح الاستقلال، إذ من المفترض أن يكون الاستقلال في أيّامنا، كما كان خلال القرون السالفة العديدة، تحقيقاً وتشديداً لمجمعيّة ووحدة الكنيسة لا سيّما ونحن في أهمّ مرحلة من مراحل تنظيم الكنيسة القانونيّ على المستوى المسكونيّ. ولكن، في الحقيقة، ما يحدث اليوم هو أنّ هذا الموضوع أصبح إعلاناً للإغراء وحجر عثرة، على عكس ما ينبغي أن يكون تشديداً للإيمان واتّحاداً وتقوية لجسد الكنيسة الأرثوذكسيّة المسكونيّة، بل، وقبل كلّ شيء، للمساعدة في رعاية جميع المؤمنين وخلاصهم. غير أنّهم كثيراً ما يستعملون، اليوم، هذا الموضوع كأداة ووسيلة لتدمير وحدة الكنيسة بمراجعتهم لتعليمها الأرثوذكسيّ بطريقة تخلقُ الاضطراب الكنسيّ والفوضى والتدخل وغزو أراضي الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى، بالإضافة إلى إلقاء تفسيرات وتبريرات هزيلة شبه لاهوتيّة. إنّ الاهتمام بخلاص النفوس ورعايتها، وهذا هو الهدف الأساس للإدارة الكنسيّة بشكل عامّ، أصبح اليوم أمراً ثانويّاً، بل يتمّ تجاهله قصداً.

نجد هذا كلّه، حاليّاً، في تصرّفات بطريركيّة القسطنطينيّة - كنيستنا الأمّ، المحزنة التي نسيت، للأسف، ما تعنيه الرعاية والمحبّة الحقيقيّة للأمّ.

إذا رغبنا في التباحث بشأن الاستقلال الكنسيّ في إطار التاريخ، وفي سياق جميع الأحداث في تاريخ الكنيسة، يمكن للمرء أن يجد تعريفات ونظريّات مختلفة في ماهيّة الاستقلال الكنسيّ، وما هي شروط الحصول عليه أو منحه، إلخ. منذ مئة عام، كتب سيرغي ترويتسكي الشهير، والذي أعتبرهُ عالمَ لاهوتٍ روسيًا وصربيًا، في نفس الوقت، عن الوضع الحاليّ في الأراضي الأوكرانيّة وكأنّه قد شهد ذلك بنفسه كالقدّيس صفروني (ساخاروف)، الذي أعرب عن مخاوفه العميقة بشأن الأعمال والنظريّات التي نشأت، بالفعل، منذ قرن في القسطنطينيّة، والتي، للأسف، يبرّرها، اليوم، أشهر اللاهوتيّين في هذه الكنيسة.

من التعاريف والصفات المختلفة المعروفة لنا، والتي توضّح مفهوم الاستقلال الكنسيّ نستطيع أن نستنتج أنّ هذا الاستقلال هو حقّ لأساقفة منطقة كنسيّة واحدة لديهم مجمع أساقفة مستقلّ والحقّ في اختيار رئيسهم الخاصّ. وعلى هذا، فالانتخاب لا يخضع لأي تأكيد أو موافقة من مركز كنسيّ أعلى آخر، ولكن تَقبله، تلقائيّاً، جميع الكنائس الأرثوذكسيّة وفقاً للاختيار الشخصيّ لتلك المنطقة الكنسيّة. وأمّا جميع الجوانب الأخرى لاستقلال الفكر، فهي ثانويّة: فليس من المهمّ جدّاً، مثلاً، من يُذكَر كرئيس خلال الصلاة، أو إن عملوا الميرون المقدّس بأنفسهم أو حصلوا عليه من القسطنطينيّة. هذه تفاصيل لا تُعتبر أساساً لمفهوم الاستقلال.

ففي هذا الصدد، أي موضوع الاستقلال الكنسيّ وبالأخصّ بسبب الأزمة الكبيرة الناشئة عنه اليوم، يجب أن يكون الموضوع الوحيد للمناقشة خلال انعقاد المجمع الكريتيّ. ووفقاً لاعتراض وطلب الكنيستين الأرثوذكسيّتين الروسيّة والصربيّة، فإنّ هذا الموضوع كان أحد الشروط المفروضة لانعقاد المجمع الكريتيّ، لا بل وأشدّد بأنّه الأهمّ للمناقشة مجمعيّاً من المواضيع الأخرى. حيث لم يسبق أن كان هناك موضوع مشابه للمجامع في التاريخ، أو لدورات المؤتمرات العلميّة أو اللاهوتيّة، إنّما طُرحت بعض المشكلات المعيّنة، وبخاصّة الهرطقات أو الجرائم القانونيّة التي كانت تهدد وحدة الكنيسة، والتي جاءت، دائماً، موضع دراسة وتفنيد.

للأسف، في الخطوات الأولى لتحضير المجمع الكريتي في الستينيّات من القرن الماضي، ضمّت لائحة المواضيع 105 مواضيع مختلفة، وهو عدد تجاوز الحدّ حتّى بالنسبة لأي مؤتمر. وأخيرًا، وفي نهاية المطاف، أُدرجَت العديد من الموضوعات التي تتعلق بشكل أو بآخر بالتحدّيات والتجارب والإغراءات التي تواجهها الأرثوذكسيّة المسكونيّة.

فيما يتعلق بمسألة الاستقلال الكنسيّ، فقد عملوا لمدّة عقدين أو ثلاثة عقود خلال اجتماعات ومؤتمرات سبقت المجمع الأرثوذكسيّ الكبير، وفي نهايتها تمّ قبول نصّ معيّن شكّل مشكلة في طريقة توقيع وثيقة مقبولة من قبل جميع الكنائس الأرثوذكسيّة. وعندما كنّا في شامبيزي، وأثناء الاجتماعات التمهيديّة، تطرّقنا إلى موضوع الاستقلال، فأجابنا رئيس الدورة، ببرود وبقسوة، أنّ الكثير من الوقت قد ضاع بالفعل في البحث بمواضيع أخرى (رغم أنّها لم تكن في، بعض الأحيان، مهمّة أبداً)، وأمّا بالنسبة لموضوع الاستقلال، فلا يوجد وقت لمناقشته، ولذلك هو لن يُدرَج في جدول الأعمال. وقد صدق قداسة البطريرك كيريل حين أشار وكأنّ (لا أستطيع أن أؤكّد هذا) أنّ هذا الموضوع تمّ الغاؤه من جدول الأعمال قصداً. لأنّه إذا كان ما تمّ القيام به على مدى عقود حول موضوع الاستقلال قد قبله أعضاء المجمع كموقف أرثوذكسيّ شامل ، فقد توجّب أن يمنع الأحداث المأساويّة التي عقبت الغزو القسطنطينيّ المعادي لوجود الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة على الأراضي الأوكرانيّة.

لقد تطوّر، على مرّ القرون، مفهوم الاستقلال الكنسيّ. فكما تعلمون، في العصر الرسوليّ، كانت كلّ كنيسة محلّيّة هي كنيسة كاثوليكيّة تامّة في مكان واحد ووقت واحد كمؤسّسة ممتلئة من نعمة الروح القدس من خلال شركة الأسقف أو الكهنة مع العلمانيّين المؤمنين.

ولأسباب عمليّة، ومع تطور الحياة الكنسيّة ورسالة الكنيسة في العالم، أُحدث ما يسمّى بنظام المتروبوليّات (المطرانيّات). فخلال فترة المجامع المسكونيّة، وبخاصّة قبل المجمع المسكونيّ الرابع، وُجد في الإمبراطوريّة الرومانيّة أكثر من مئة مطرانيّة مستقلّة، بالإضافة إلى المطرانيّات خارج الحدود، وهذا أمر في غاية الأهمّيّة يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار: فبعض الكنائس خارج حدود الأمبراطوريّة البيزنطيّة أو الرومانيّة كانت أقدم من كنيسة القسطنطينيّة.

وفي وقت لاحق، تطوّر النظام، فصارت المطرانيّة تضمّ بعض الأبرشيّات، كما شكّلت العديد من المطرانيّات مؤسّسة أوسع عُرفت بالأكذارخوسيا. هذا، وقد ذُكر في المجمع المسكونيّ الرابع ما يسمّى بأكذارخوس لأبرشيّة - وفقًا لبعض التفسيرات، المقصود هنا بطريرك القسطنطينيّة، ولكنّ هذا يبدو لي بعيد الاحتمال. أقبل رأي أولئك الذين يعتقدون أنّ الأكذارخوس لأبرشيّة ما كان رئيسًا لمؤسّسة كنسيّة مترامية الأطراف.

في المجمع المسكونيّ الرابع وما بعده، تمّت الموافقة على نظام البطريركيّات واستقلالها، ما يعني ضمناً نظام البطريركيّات الخمس (خمس كنائس رسوليّة قديمة) وكنائس أخرى. فعلى سبيل المثال، الكنيستين الأرمنيّة والجورجيّة كانتا خارج حدود الإمبراطوريّة، إلّا بعض الأجزاء منها،  فاستمرّتا وتطوّرتا بعيداً عن نظام البطريركيّات الخمس.

تغيّر مصير هذا النظام للمؤسّسة الكنسيّة بشكل ملحوظ مع انهيار القسطنطينيّة عندما أصبحت الأمبراطوريّة العثمانيّة، عن غير قصد، خليفة البيزنطيّة الساقطة. فكان للسلطان، من بين ألقابه العديدة، لقب الأمبراطور الرومانيّ، معتبراً نفسه خليفته القانونيّ. وبهذه الصفة، ونظراً لإيمانه بالإسلام، منح السلطانُ بطريركَ القسطنطينيّة حقوقاً وسلطة  لم يكن يتمتّع بها في الإمبراطوريّة الرومانيّة المسيحيّة. وهكذا أصبح لبطريرك القسطنطينيّة منصب يسمّى برئيس الأمّة (ميليت باشي)، والذي خوّله ليس الرعاية الروحيّة للأرثوذكس في الإمبراطوريّة العثمانيّة، وحسب، وإنّما سلطة سياسيّة عليهم، حتّى أنّه كان بإمكانه تحصيل الضرائب للسلطان دون مشاركة مباشرة من السلطات والمسؤولين الأتراك.

هكذا، نرى كيف تمّ تطوير بعض الأفكار، في ذلك الوقت، والتي اتّخذت شكلاً أكثر وضوحاً في القرن العشرين والتي ذكرناها سابقاً. يمكن التوصّل إلى هذا الاستنتاج وفقاً لأسس توموس والاستقلال الذي منحته القسطنطينيّة للكنائس المستقلّة، أو الاعتراف باستقلال الكنيسة الجورجيّة. بعد كلّ هذا، لا يمكن القول بأنّها لم تكن مستقلّة أبداً، بل وردت تعابير تعني أنّنا لا نشير إلى منح الاستقلال، بل نحن نؤكّد الاستقلال الذاتيّ الذي منحته كنيسة أنطاكيّة.

في فترة القرنين الخامس عشر والسادس عشر، عندما حصلت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة على الاستقلال، نلاحظ تطوّر فكرة الاستقلال وكيف أنّ القسطنطينية هي التي تقرّر بشكل إفراديّ ومستقلّ مقدار كلّ استقلال وبأي شكل سيكون منحها له. وبهذا المعنى، قامت بطريركيّة القسطنطينيّة، لاحقًا، بتقييد الاستقلال بشكل متزايد. ويمكننا القول بأنّ استقلال الكنيسة الروسيّة كان كاملاً وحقيقيّاً، وكذلك استقلال الكنائس الصربيّة والبلغاريّة والرومانيّة وبعض الكنائس الأخرى يشبه استقلال الكنيسة الروسيّة. وبمرور الزمن، أصبح الاستقلال محدوداً جدّاً بالفعل، حتّى وصل إلى ما يسمّى "الاستقلال الذاتيّ" للكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا" (أو الأفضل القول "الكنيسة المزيَّفة")، حيث يغيب كلّ نوع من الاستقلال.

يلتزم عدد من اللاهوتيّين البارزين في العالم اليونانيّ (وبعضهم من أصدقائي منذ عهد الصبا) بفكرة غريبة جدّاً مفادها أنّ منح الاستقلال يعتمد، فقط، على إرادة بطاركة القسطنطينيّة (وإن لم توجد، فيكون عكس ذلك). ولقد أعلن أحد هؤلاء اللاهوتيّين، (وللأسف الشديد)، أنّ القسطنطينيّة ارتكبت خطأ فادحاً عندما منحت الاستقلال، لـ"جحافل الروس أو للجماهير المتوحّشة" (كما سمح لنفسه أن يقول). ومع ذلك، فلقد تجاهل، تماماً، حقيقة أنّ هذا الاستقلال كان في البداية غير رسميّ، ولكنّه فعليّ وحقيقي، وقد أتى استجابة قسريّة لحقيقة واضحة وهي أنّ القسطنطينيّة كانت، في ذلك الوقت، كنيسة موَّحدة مع روما، فطُرد متروبوليت إيصيدوروس من موسكو ببساطة، ولم يتمّ قبول أيّ برنامج للوحدة.

حدث شيء مشابه لوضع منح الاستقلال الصربيّ في القرن الثالث عشر: فلقد كانت توجد مملكة لاتينيّة في القسطنطينيّة، وأمّا في نيقية والمنفى، حيث كان بطريرك القسطنطينيّة، وبعض الأماكن الأخرى، فقد كانت بقايا بيزنطيّة. وكانت صربيا، بالفعل في تلك اللحظة (ولا تزال)، على حدود العالمين الرومانيّ الغربيّ والشرقيّ، وكان يسود شعور قوي بالوجود الكاثوليكيّ وتغلغل تبشيرهم حتّى إنّ أخ القدّيس سابا الصربيّ في الجبل الأسود كان كاثوليكيّاً. كان من المفترض أن يدعم القدّيس سابا الأرثوذكسيّة في أرضه ويثبّتها، وهذا ليس انتفاضة ضدّ النظام الحاكم، آنئذ، التي اتُّهم بها والتي ما يزال يدّعيها البعض، ولكنّها كانت، ببساطة، صراعاً من أجل صالح الأرثوذكسيّة، وهو أحد الجوانب الرئيسيّة للحياة ومُهمَّة الكنيسة المستقلّة.

ثمّ ينتهي عصر الحكم العثمانيّ، فعادت بيزنطية غير موجودة ولا الإمبراطوريّة العثمانيّة، ولم تعد القسطنطينيّة "مدينة الملك"، ولا مدينة السلطان ولا مدينة "البنتارخوس" أي بطريرك القسطنطينيّة. كما إنّها ليست حتّى عاصمة تركيا ولا المدينة الرائدة، إنّما مدينة كبيرة وحسب. وعلى مدى القرون الماضية، ظهر الاستقلال الجديد ولم يكن طوعيًا، بل مدفوعًا بالظروف في بعض الأحيان. وفي هذا الزمن الجديد، تقلّصت سلطة بطريركيّة القسطنطينيّة: فهي لم تفقد سلطتها، فقط، على جميع البلدان والكنائس التي كانت تحت سلطتها في العصر التركيّ (فقد ابتلعت ولايات "طيرنوفو" البلغاريّة و"بيتشسك" الصربيّة وغيرها، وبقيت، فقط، الولايات الكنسيّة التي كانت خارج حدود الإمبراطوريّة العثمانيّة، كمطرانيّة "كارلوفاتسي" والبطريركيّة المعروفة لدى الروس و"سريمسكي كارلوفاتسي" مركز الكنيسة الروسيّة في الخارج، وما إلى ذلك...). أصبحت القسطنطينيّة بدون غالبية رعاياها على أراضي أجدادها في آسيا الصغرى، كما ظهرت، في الوقت نفسه أي في زمن ميلاتيوس ميتاكساكيس، ثم أثيناغوروس، النظريّات البابويّة الجديدة، وهي، اليوم، تنتشر بقوّة عظمى.

فعندما نودّ التباحث في موضوع منح جميع أنواع وأشكال الاستقلال الكنسيّ، علينا أن نميّز بين الاستقلال الكامل والحقيقيّ من الاستقلال الجزئيّ والشرطيّ. فالكنيسة اليونانيّة، مثلاً، لم تحصل على استقلاليّة كاملة حتّى يومنا هذا: فهي تختار مجمعها الخاصّ، ولكنّها لا تختار لنفسها رئيسها، أي لا يوجد رئيس للكنيسة في أثينا، إنّما يوجد، فقط، المجمع المقدس وله رئيسه. وهذا يذكّرنا بالوضع في روسيا إبّان عهد بطرس الكبير، عندما لم يكن هناك بطريرك، بل سينودس ومدير عام فقط. إنّ كلّ الخطوات الأخرى المتّخذة في هذا الاتّجاه مُرائيّة خياليّة وغير موجودة في الواقع كما هو منصوص في مستند توموس للاستقلال الذي منحته القسطنطينيّة بشكل محدود للكنيسة التشيكيّة وسلوفاكيا وبعض المناطق الأُخَر.

لكن "الاستقلال الكنسيّ" الممنوح للمنشقّين الأوكرانيّين فهو ليس استقلالاً على الإطلاق. إنّ حقوق الحرّيّة التي تتمتع بها، على سبيل المثال، الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة القانونيّة ككنيسة مستقلّة وذاتيّة الحكم في حدود بطريركيّة موسكو، أو الحرّيّة التي أعطتها كنيستنا الصربيّة للمنشقّين في مقدونيا الشماليّة (لقد قبلوا ما اقتُرح، ثمّ رفضوه)، فهذا أعمق وأشمل بما لا يقاس من الاستقلال المزعوم الذي أُعطي للمنشقّين الأوكرانيّين اليوم. لا يفرض "توموس" الممنوح لهم قيودًا عديدة فحسب، بل ينصّ، بشكل مباشر، على وجوب اعتبار بطريرك القسطنطينيّة سلطانهم وقائدهم ورئيسهم. إنّه لأمر مؤسف وبخاصّة أنّ هذا "توموس" بات لا يذكر السيّد المسيح رئيساً للكنيسة الجامعة، كما ورد في المستندات السابقة لتوموس الاستقلال، وإنّما يسطّر إنّ بطريرك القسطنطينيّة هو رئيس الكنيسة الأعلى على الأرض. وهذا غير مقبول، بالطبع، للضمير الأرثوذكسيّ وينبغي مراجعة الإنجيل المقدّس وبخاصّة العهد الجديد.

أسأل نفسي وإيّاكم، يا صاحب القداسة، والآباء الأجلّاء والإخوة الأعزّاء: ماذا سنفعل، اليوم، لإيجاد طريقة للخروج من هذه الأزمة العميقة، والتي [سبّبتها] عوامل جيوسياسيّة وضغوط خارجيّة، وحتّى ندخل في حوار مباشر ومفتوح يحاكي ممثّلي قوّات الغرب، وخاصّة القوّة الغربيّة العظمى ذي البؤر والجذور الداخليّة الخاصّة بها؟ هذه ليست، فقط، أفعال بطريرك القسطنطينيّة. إنّها، ببساطة كلّيّة، تجسيد الميول لتتمركز في إطار النظريّة البابويّة الجديدة.

أرى مخرجًا للتخلّص نهائيّاً، إن أمكن من أيّ تأثير وضغط خارجيّ. نحن نعلم، جميعاً، أنّ الحكومة الأوكرانيّة لم تمارس الضغط إلا في الوقت الذي تمّ فيه الاعتراف تلقائيّاً بالمنشقّين بحركة اليد الواحدة، وبدون التوبة صاروا "أساقفة" و"كهنة" بعد ما مُنعوا من إقامة الخدم (لم يحدث في التاريخ، أبداً، ممارسات مثل هذه)، وحصلوا للحال على الاستقلال، وهذه ظاهرة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الكنسيّ. فأي تأثير للسلطات داخليّ كان أم خارجيّ، بما في ذلك الضغط، يجب تجنّبه ومقاومته بحزم، كما فعلت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة خلال فترة السبعين عاماً من تاريخ الحكم السوفيتي: لم تنحنِ، البتّة، لقيصر آخر باستثناء القيصر السماويّ ولا سلطان عليها إلّا الربّ. هذا مثال لنا جميعاً. وأعتقد أنّ هذا قد حدث، أيضاً، في كنائس أخرى، ولكن ليس بهذا الشكل المريع.

وما الذي يجب أن نعمله أيضاً؟ أعتقد أنّ هذا هو العمل والهدف الأساسيّين لهذا المؤتمر ومعناه الحقيقيّ، - وهو تطوير مفاهيم وأفكار الأرثوذكسيّة وتعاليم الآباء القدّيسين لتأتي صحيحة وأرثوذكسيّة أصيلة حول الاستقلال الكنسيّ والمجمعيّة والأولوية(فهذه الثلاثيّة مرتبطة عضويّاً ببعضها البعض)، على النقيض من الأيديولوجيّة الداخليّة والاستبداد الذي خلق القسطنطينيّة، والعلمنة الداخليّة المحدَّدة لمفهوم الاستقلال الذاتيّ، وبشكل عامّ، فقدان هويّة الكنيسة الحقيقيّة، والتي بدونها لا يمكننا المضي قُدماً.

أعتقد أن الوضع الحاليّ للأرثوذكسيّة العالميّة مأساويّ وخطير للغاية، لكنّني متأكّد من أنّ الروح القدس يقود كنيسة المسيح كما حصل يوم العنصرة وخلال مراحل تاريخ الكنيسة كافّةً. كما يقنعنا المخلّص بأنّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأنّي لواثق من أنّه سيكون هناك بعض الحلول، وإلّا إن دام هذا الانقسام واستمرّ الانشقاق لفترة طويلة، فإنّ انقساماً جديداً كالذي حدث في القرن الحادي عشر، سيكون حتميًا، للأسف، وسيقع اللوم على أولئك الذين تسبّبوا به.

نرفع صلاتنا إلى الربّ ألّا يسمح بحدوث هذا هو الذي يشفي جروح جسد الكنيسة بأسرها، ونسأل الله أن نرى تلك الأيام نحن الأشخاص المسنّين.

 

 

قداسة البطريرك كيريل يعلّق للمتروبوليت أنطونيوس مطران فولوكولامسك وسام القدّيس دانيال أمير موسكو

24.10.2024

تهنئة قداسة البطريرك كيريل إلى غبطة بطريرك يوحنّا العاشر بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بمناسبة عيد شفيعه

26.09.2024

تهنئة قداسة البطريرك كيريل بمناسبة الذكرى الـ55 لتأسيس منظّمة التعاون الإسلاميّ

25.09.2024

تهنئة قداسة البطريرك كيريل لسيادة المتروبوليت نيفن (صيقلي) بمناسبة الذكرى 65 لكهنوته

22.09.2024

الاحتفالات بمناسبة مرور 300 عام على نقل رفات القدّيس الأمير ألكسندر نيفسكي إلى سانت بطرسبورغ برئاسة قداسة بطريرك موسكو وسائر روسيا

12.09.2024

لقاء قداسة البطريرك كيريل والوفد الرهبانيّ من الكنيسة القبطيّة

27.08.2024

صلاة الغروب وصلاة السحر في عشيّة عيد رقاد السيّدة في كاتدرائيّة المسيح المخلّص بموسكو برئاسة قداسة البطريرك كيريل

27.08.2024

البطريرك مار آوا الثالث: "إنّ أعمال السلطات الأوكرانيّة هي فوضى دينيّة ضدّ المسيحيّين الأرثوذكس في البلد"

24.07.2024

القدّاس الاحتفاليّ في يوم تذكار القدّيس سرجيوس رادونيج برئاسة قداسة البطريرك كيريل في دير لافرا الثالوث القدّوس

18.07.2024

بطريرك موسكو وسائر روسيا يقوم بصلاة الشكر بمناسبة تنصيب الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين

07.05.2024

تهاني قداسة البطريرك كيريل إلى رؤساء الكنائس الشرقيّة القديمة المحتفلين بعيد الفصح في الخامس من أيار

05.05.2024

رسالة قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا إلى أساقفة وكهنة وشمامسة ورهبان وراهبات وأبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بمناسبة عيد الفصح المجيد

04.05.2024

رسالة قداسة البطريرك كيريل لرئيس الكنيسة السريانيّة بمناسبة الذكرى العاشرة لانتخابه بطريركاً

31.03.2024

تعزيّة قداسة البطريرك كيريل بمقتل رهبان دير القدّيس أبو الكبير بأثيوبية

24.02.2024

تهنئة قداسة البطريرك كيريل لرئيس الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة بمناسبة ذكرى تنصيبه بطريركاً

10.02.2024

موافقة المجمع المقدّس على تشكيل وفد الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في الاجتماع الثالث عشر للجنة الروسيّة الإيرانيّة للحوار "الأرثوذكسيّة - الإسلام"

24.10.2024

قداسة البطريرك كيريل يعلّق للمتروبوليت أنطونيوس مطران فولوكولامسك وسام القدّيس دانيال أمير موسكو

24.10.2024

رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو يهنّئ بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بمناسبة عيد شفيعه

26.09.2024

لقاء رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة مع وفد المجلس الروحانيّ الإيزيديّ الأعلى

18.09.2024

المتروبوليت أنطونيوس يشارك في عيد معتمديّة بطريركيّة أنطاكيّة بموسكو

26.07.2024

لقاء بين المتروبوليت أنطونيوس وسفير الجمهوريّة العربيّة السوريّة في روسيا الاتّحاديّة

22.07.2024

رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو يلتقي بوفد من لبنان

22.07.2024

المتروبوليت أنطونيوس يلتقي بمطارنة الكنيسة الأرثوذكسيّة القبرصيّة

20.05.2024

بطريرك موسكو وسائر روسيا يقوم بصلاة الشكر بمناسبة تنصيب الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين

07.05.2024

المتروبوليت أنطونيوس يقوم بزيارة حجّ إلى الجليل

04.04.2024

انتهاء زيارة رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو إلى لبنان

11.03.2024

تكريس كنيسة بشارة السيّدة في جلّ الديب لإقامة الخدم الكنسيّة للجاليّة الروسيّة بلبنان

10.03.2024

رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة يزور مطرانية جبل لبنان

10.03.2024

المتروبوليت أنطونيوس يزور دير سيّدة حماطورة في لبنان

09.03.2024

ابتداء زيارة عمل لرئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو إلى لبنان

09.03.2024

ملاحظات

الحقول المحددة * مطلوب التعبئة

أرسل الطلب
Рус Укр Eng Deu Ελλ Fra Ita Бълг ქარ Срп Rom عرب